البيضة الثالثة

و لا بد أن تؤمن بالحظ ، الحظ و لا شيء آخر في هذا الطريق .
إما أن تكون محظوظاً ، و تكسر بيض الأماني الثلاث لتحصل على الذهب و القصر و الأميرة ،
أو لا تكون ، فتتعثر بحجر و تقع البيضة الأولى و تنكسر فتصرخ مغتاظاً : إير ، فتحتشد الإيور حولك ، فتكسر البيضة الثانية لتختفي الإيور ، و تختفي لكن تفقد أيرك أيضاً فلا تبقى لديك سوى بيضتك الثالثة ، تكسرها لتستعيد أيرك الذي كان ، تعود كما كنت و لكن دون بيضة .
في فندق آكينجي بوسط باسمان بإزمير بقينا أكثر من سبعة أيام ، نستلقي بالشورتات على الأسرّة في الغرفة الصغيرة الضيقة السيئة التهوية ، غير المكيفة ، نتناول أي شيء كان ، نعيد الحديث نفسه ، البلم ، اللانش ، البوت ، اليخت ، 9 متر ، 12 متر ، 16 متر ، بلاستيك نفخ ، فايبر ، خشب ، و نعيد النكات نفسها عن ” فطيم اللي حظها زين ، كلما نزلت تتمشى في الفراز ، تلاقي 200 ورقة ” ثم نفت الورق و لا نفعل شيئاً سوى أن ننتظر أبو ” خرا ” . .
ربما كان بجينز عادي و بيده موبايل سامسونغ دون كاميرا أو متأنقاً لا يرتدي إلا الماركات و لا يستعمل سوى غلاكسي إس فور ، مربوعاً قصيراً أو نحيلاً طويلاً ، صاحب مكتب عقاري سابق أو صيدلياً علق هنا لسبب ما و ما زال يظن نفسه في المريول الأبيض ، من الرقة أو السويداء ، من أكراد الجزيرة أو من أكراد عفرين ، بنظارة طبية أو بوشم على العضد أو الكتف ، يحلف لك بأن الأكراد أكرادنا أو أنيج اللي يقرّب عليكم ، لكنه بالتأكيد سيكون كاذباً ، و سيظل أبو خرا يكذب ، و لو لم يكن يكذب لما أصبح مهرباً .
و لذلك لم نكد نصدق حين أتصل بنا و أخبرنا أننا سنبحر هذه الليلة و علينا أن نكون في النقطة في منتصف الليل ، أستقلينا باصاً على عجل و خلال ثلاث ساعات كنا في بودروم ، نزلنا في فندق آخر ساعتين و نصف فقط ، أخذنا دوشاً ، أكلنا الخبز مع الشوكلاتة ، ضببنا سترات النجاة ، ثم أحضرنا بكرتين من اللاصق الشفاف و بدأنا تلزيق جوازات السفر و الهويات و الموبايلات ، أما ورقات اليورو القليلة فلففناها على شكل سجائر و و خبأناها في الكلاسين .
كانت بودروم غارقة في طقوسها كأية مدينة سياحية بإمتياز ، و من بار مجاور كانت تصعد موسيقى جاز مرحة ، فيما كان محمد و مصطفى و رستم و خالد منهمكين في تدوير بكرات الشرطَطون ، لحظتها إتصل أحدٌ من مجموعة أخرى بجوان و أخبره بأنهم أجبروا على النزول في بَلَم و أن المهربون نقضوا إتفاقهم و سحبوا عليهم السكاكين .
بعد خمس دقائق توقفنا عن كل شيء ، كان جوان شاحباً تماماً ، إتصل بهم ، كانوا قد أصبحوا خارج التغطية ، كان الوقت يمر و كان علينا أن نمضي إلى النقطة إذ لم تكن قد بقيت لدينا سوى بيضة واحدة و علينا أن نكسرها دون تردد .

شوكولاتة ساخنة

” آلاسكا ساحرة ، لينا ، إنك تشبهين آل باتشينو حين كان يطارد روبن وليامز ، الثعلب الأزرق روبن ” يقول الرجل في منتصف الدرج الذي يودي إلى الطابق العلوي مخاطباً المرأة التي توقفه فجأة : ” جاك ، قل لي أنك ما تزال تحبني . ”
ينزل إلى حيث تقف على باب المطبخ ،يلامس جبهتها بجبهته ثم يقبّل خلف أذنها و يشمّ جلد عنقها و يقول : ” أحب الشوكولاته الساخنة التي تتذوقينها في أحلامك . ” و يردف بنبرة أخفض : ” ثقي إنه ليس أكثر من صديق قديم كان علي أن أقابله هنا ” ، ثم يستدير بخفة و يصعد ، فتصعد وراءه ، و حين تناديه مرة أخرى ” جاك ” تهبط السكين في قوس حاد بيد المرأة التي تدعى سيلينا و التي كانت ما تزال إلى الآن تتحرك مسرنمة في البيت و تعاني من إضطرابات النوم منذ أن حلت في هذه الجزيرة الملعونة قبل إسبوع ، و ثم لم أر َ عينيه و لم أر َ دم كتفه ، بل أشحت بوجهي نحو غابات الزيتون البري قبل بلدة بودروم ، قال لي الذي كان يشغّل الفيلم من شاشة الآيباد المعلق أمامه خلف ظهر مقاعد الباص الذي أقلنا من أزمير :
أنظر الرياح قوية اليوم ، كان علينا ….
أبتسمت له دون أن أخرج الهيدفون من رأسي ، و ظللت أصغي إلى كايهان يغني للبحر ، ينحني ويصرخ و يغني عن لحظة غضب ٍ حكمت على كل شيء ، بعدها بقليل ، رأينا البحر ، نظرنا نحن الستة جميعاً في أعين بعضنا ، كل في مقعده ، لم يكن بحر القلاع الرملية و الإجازات العائلية ، بحر الصور الفوتوغرافية أمام الشاليهات البيضاء التي تقول أننا سعداء بقدر ما نحن أذكياء ، و أذكياء بقدر ما نحسن إختياراتنا في الحياة ،
لقد كان البحر مرعباً ، مرعباً و أزرق ، أزرق أكثر مما ينبغي .