ظلال

لا يستطيع الشاعر أن يفهم العالم، كما يفهمه المؤرخ، السياسي، الفيلسوف أو الروائي حتى. كلٌ يفهم العالم أو يدّعي فهمه.

هنالك لحظة، لحظة ٌقصيرة مديدة شاسعة ممتلئة بصخب الداخل هي اللحظة التي تولد فيها القصيدة كََالتماعة.

ضوء ٌينبثق من الدماغ، وينتشر لِيَهبَ حيوات متعددة للكائنات والأشياء، هذه اللحظة يلتقطها الشاعر بحواسه المستنفرة في محاولة تتجدد عبثاً لفهم العالم.

فلنتخيل:

نمل ٌيصعد ساق الدالية، ملحٌ مرشوشٌ على ظهر حلزون، ستة عشر شخصاً قضوا في حادث على طريق حلب – الرقة، طفلة تدخل عامها الثاني، صوت يلعن أعطال الكمبيوتر وقبو ممتلئ بالكوابيس.

في تلك اللحظة: يتجول الضوء لينير النمل، الحلزون المتضاءل خلف العتبة، الحافلة وهي تصطدم بتراكتور زراعي، القامة المنهمكة في أعطال الكمبيوتر، الطفلة تعاند الحيل كي لا تنام.

حين تنقضي تلك اللحظة سينكفئ الشاعر على أدواته كأي حرفي، ولا يهم كيف سيكتب القصيدة، مرة واحدة، مرات كثيرة، ماشياً، في مقصف، على عتبة النوم أو راكباً سيارة ما.

تدوين القصيدة بما فيه من كتابة ومحو، شطب وتحوير، تكثيف واختزال ….. كل هذا ينتمي إلى الحرفة، وهكذا نفهم كتابة الشعر كما نفهم ممارسة السحر، أي أنها تمرين على خفة اليد ولشدة ما اليد خفيفة سنصدّق كقراء أو مشاهدين أن الأرانب تخرج من القبعة.

ننخدع لكننا نصدّق، نصدّق ما رأيناه، لكننا لم نر ما حدث. محض ظلال رأيناه.