أز دلتى بوخم: مها بكر

441784a09adc17e83379d6e3e371ec40

(Michael Carson (USA

لكنّه غيرَ راض ٍعلى الدوام،
ينفردُ في السرد،
يمضغُ بتلات الماريوانا،
ويُصغي للسطور،
كما لو أنها الهاوية.

……

ماري روز نائمة،
أعرف أن ماري روز نائمة،
لاتتوجس سأدخل إلى النص،
بحذاء ٍخفيف،
إلاّ أنه الحجل الميت،
على كتفيّ،
سيغويكَ لأن تقولَ شيئاً.

……

هل تعرف دوّار الأشرفيّة،
هيك شوي على إيدك اليمين،
يا رجل دوّار الأشرفية،
وأنتَ تقعُ مغشياً من الضحك على الأرض،
ياوو كمان شي ميتين متر عند العصاية الطويلة،
قصدي الخشبة، لاء ..لاء،
بالعربية الفصحى عمود الكهرباء،
أتذكر يالئيم من مقهى القصر وحتى “الهلك”،
وأنا أقرأ لكَ تحتَ مطر ٍشديد،
يُعنفّني بحدّته و قسوتكَ،
تحتَ قناديلَ مُطفأة تماماً،
قصيدة َ ضيّقة ٌهي المراكب لسان جون بيرس،
وابتلّت ضفيرتي والشال المُعرّق،
بنمنمات ٍخفيفة أضَأها المطرُ ذاته،
ساعتان والله أمام المرآة وأنا أقلّدُ تلك المرأة،
التي رسمها لؤي كيالي وهي متكوّرة،
من الخوف بينَ ذراعيّك،
كم تشبهني تلكَ المرأة !!
التي خلقها لؤي كيالي،
عندما أراقبكَ من بلور الشبّاك المكسور،
تركضُ خلفَ صبيّةٍ،
كتبَ عنها الأغريقي الأعمى هوميروس،
وتنبّأ أنها ستأتي في زمن الحرب،
وتأخذكَ مني،
ابتلّ بنطالي الجينز “الشلّصتو”
والتصقَ بفخذي أتذكر !!
وكلّما قلتُ لكَ هل تحبها !!
تقهقه ” كجي أز دلتى بخوم “.
لا أعرف لماذا بكيتُ حينها،
وأنتَ تمسح بأصابعكَ المرتعشة،
خصلات شعري النديّة على جبيني أتعرف أيضاً،
ربما كانت ستُضيفُ سحراً آخر لزخات المطر،
لو لم تلمَسها و لم تختم قصيدتكَ الأخيرة،
بطلقة ِرصاصة ٍفي كاحلي.
أتمتم و أنفاسكَ الحارة تشقُّ صدري،
وترمّمُ رئة ًمتقيّحة،
لم يحسن رجل غيركَ أن يلمس مكمنها،
وهل تعرف أيضاً !!
اليوم في الأمسيّة الشعرية،
في اتحاد كتّاب العرب،
قرأتُ أنا الصغيرة الشعر،
مع نخبة ٍمن المثقّفين،
لمحتُ روائيّا سبعينيا،
كان يُصفّق لي بحرارة،
ثمَ على درج المبنى همسَ في أذني،
أنت ِمن القامشلي،
أليس كذلك،
ديري بالك على حالك يابنت !!
يا لقسوته،
ثم أعطاني كتاب أنسي الحاج خواتم.
“ما علينا ما علينا “.
تماماً تماماً،
منذُ أن أعطتكَ قلبها المُغلّف بالسلفون البرّاق،
وغرست زهرتي أكليل الجبل في عينيك،
وأنا لا أرى شاعراً غيركَ
آآخ سلطانة يوسف،
البارحة و بمشرط ٍحاد كالذي يستخدمه،
عندما يحفر في قلبي ليكتبَ لك ِنصاً،
ويكذب علي،
لو لم تكن،
لكانَ لك.
طائر الرّخ المحنّط في الثلاّجة.
أقولُ لكاتب الرواية الخبيث إنه يحبني،
كلّما أمطرت قال لي “أز دلتى بخوم ”
أنتِ قليلة ٌ يا صغيرتي يقولُ الروائيًّ الخبيث،
وتترجمين اللغة الكردية تحت المطر بتصرف،
وهو يتقصّد أن يقولها لك ِفي طقس ٍغائم.
أضحك و يستطردُ قائلاً،
عرفتُ دوّار الأشرفيّة،
أنتِ ملعونة وتقصدين بهذا السؤال “سلو ” الأرمني،
أليسَ كذلك !!
منذُ أن سكنت هذه المرأة سلطانة يوسف،
بجوارهم،
تركَ الدراسة في الجامعة،
وصار كشّاش حمام،
كيفَ لي أن أنسى امرأة أحَبَها: سلو الأرمني،
نزحَ عن حي العزيزيّة،
وتركَ أيضاً حضور قدّاس الآحاد،
ليسكن بقربها في حيّ ٍفقير،
ليراقب طيور السنونو خلفها،
وهي تذهب إلى الجامعة،
اللئيمة لاتستقلُ حافلة ً أو “سرفيساً”
“لا تلحقني مخطوبة”،
سلو الذي اختفت أخباره.
قالوا: من أجلها ذهبَ إلى الجبل،
وآخرون قالوا قُتِلَ على الحدود وهو يهرّب التبغ،
وجدوا في جيبه أوراقَ أشجار ٍيابسة عليها بقع دم،
ومشطاً صغيراً أظنه إن لم أكن مخطئة هو لها.
يا إلهي يا إلهي،
إنها تُحبُ أزهار عبّاد الشمس،
ويحبها أيضاً،
وتقولُ له دائماً … دائماً،
سأمضي سأمضي،
ربما تستمعُ الآن إلى نشرة الآخبار،
تضعُ ساقاً على ساق،
تشرب القهوة و تأكل قطع البيتفور ببرود،
وأنا ألتهمتُ رمادَ السجائر التي تدخّنها الآن،
وأنتَ تقرأ هذا النص عنك.

……..

لم يكن لي،
ولم يكن لأيّ امرأة ٍ،
لو التفَتَ،
وتذّوقَ زهور اللاّ لاّ،
لربّما تأخرت الحربُ قليلاً،

……..

ماري روز نائمة،
أعرف أنَّ ماري روز نائمة،
سأخرجُ من النص،
بحذاء ٍخفيف،
إلاّ أنه الحجل الميت،
على كتفيّك،
سيُغويني محمد رشو،
لأقولَ لرجل ٍآخر،
الحبُ طاغيّة،
وإني قتلتكَ،
” لأني أحبك “.

……

” أز دلتى بوخم ” بالكردية وتعني: سآكل قلبك ِ

* مها بكر شاعرة من سوريا

والنص من كتاب تعمل على إنجازه حالياً وتنشره تباعاً على صفحتها بالفايسبوك.

بيوض الخطر

سيكون صباحا آخر في الممرات.
كنا اثني عشر شخصا، كانا اثنين.
كل منا كان قد أكل مخصصاته من الزبدة والمربى والجبنة، حلق ذقنه، وحمل أوراقه ويحاول قدر الإمكان أن يكون مهذبا وطيبا مع العالم ومع نفسه.
قال المترجم عبر الهاتف بأنه سيتكلم الفصحى وأكد فيما إذا كنا نفهم عليه بوضوح، وارتبكنا ونحن نخاطب جهاز الهاتف: نعم نعم.
تحدث الرجل الذي يملك فما صغيرا بذقن متراجعة للخلف تحت أنف حاد معقوف، الرجل العصفور، عن حقوق اللاجئين وعن وجوب تأمين الحماية للناس الذين لم يكونوا آمنين في بلدهم، وأسهب في الحديث عن عمل المنظمة المركزية لحقوق اللاجئين، وعمل منظمة الهجرة والتجنيس، وأخبرنا أننا سنقابل محاميا، وأن الاجراءات يمكن أن تطول لثلاثة شهور.
الوحيد الذي لم يتكلم، كان الرجل الآخر، الخمسيني ذو الوجه الكبير والشعر الأبيض بملامح شيموس هيني تماما، بقي على طرف يدون المعلومات على الكمبيوتر، وبينما كان يعمل أخرج فطيرتي توست من شنطته الجلدية السوداء، نزع عن إحداها نايلونا شفافا ثم انحنى ورمى الكيس في سلة صغيرة، ثم استقام وبدأ يقضم قضمات صغيرة.
وبينما كان الرجل العصفور ما يزال يؤكد أنه يتفهم الأسباب التي دفعتنا للمجيء، ونحن نهز رؤوسنا له ولجهاز الهاتف، ببغاء العربية على الطاولة، كان شيموس هيني قد أصبح موظفا منضبطا في دائرة الهجرة، كان ينقل نظره بين الأضابير والشاشة، لكنه كان مايزال مشغولا بالشعر، الشعر الذي يعمل على إعادة تنغيم العالم مثل الصدمة الكهربائية، كان في العمر الذي نال فيه جائزة نوبل، وكان يتذكر حقل عائلته وهو يفكر مليا في حقول أيرلندا المتوجة بالجماجم والتي أتلفها العنف “حين فقست بشكل سريع جدا بيوض الخطر بعد أن كانت تحضن دائما.”
كنا ننصت للببغاء المعدني يغرد وراء الرجل العصفور، وكان شيموس هيني مايزال معنا، كان عجوزا نشيطا وكأي متقدم في العمر، يتلذذ بحركات التنظيف الغريزية، كان يدفع باطن شفته السفلى برأس لسانه وهو يدق على أزرار الكمبيوتر ويسرح مع هذه الأشباح النظيفة التي لاتنام جيدا لتظل ساهية في الممرات، تتخيل وتفكر معه في
” القتل،
النسيان،
المجهول،
الفظاعة،
الفتاة المقطوعة الرأس،
إطالة التحديق في الفأس،
إطالة التحديق في ما بدأ لأجل الإحساس بالخشوع.”