زهرة تعرّق راحة اليد

فليفولاند معجزةٌ من معجزات الهولنديين، يقول الضيف، ويسرد كيف ردموا البحر الذي كان هناك حين أقاموا السدود والحواجز لتتكون فيما بعد حقول الذرة والأوركيديا والتفاح بين المدن والبلدات التي ستنشأ لتشكل المقاطعة التي ستصبح جزءا من الأراضي المنخفضة التي يتكون خمس مساحتها من الماء على شكل بحيرات وقنوات.
يتكلم الضيف متوجها إلينا، إلى الكاميرا في يد المصور، إلى المذيع شبيه بسام حجار والذي لا ندري متى ألقى على الأرض بيضة الأسئلة في غفلةٍ منا قبل أن يحلّق وراء لا جوابٍ في السماء.
يبقى الضيف في مقاطعة فليفولاند التي في شمالها بين إيميلورد وستانڤايك يقع الكمب الدائم الذي يضمّ ألفاً وأربعمائة لاجئ غالبيتهم سوريون وفلسطينيون مع أفارقة وباكستانيين وإيرانيين يقضون أوقاتهم في انتظار البريد بين صالة البلياردو والكافيه نيت، بين نزهة الغابة مرة في الأسبوع وشاشة التلفاز المولّفة على قنوات محلية وأخرى تخص البلاد التي جاؤوا منها ليتابع كلٌّ حربه التي ستدومُ، يبدو طويلاً.
يتكلم الضيف منتقلاً إلى أمر آخر، يتذكر خلاله أن أنثى ذئب صدمتها سيارة سنة 2013في مقاطعة فليفولاند قرب لوتيخست حيث الكامب، ويؤكد بأنه كان أول ظهور للذئب بعد غياب دام 150 سنة عن هولندا حيث شوهد لآخر مرة في إقليم ليمبورخ سنة 1869، يتابع بحماس أشدّ ونتابع بجدية كون الحادث جرى قرب لوتيخست حيث نحن، وتبقى الكاميرا على الضيف وتبقى أعيننا على الكاميرا فيما ينصرف بسام حجار بعدما ألقى بيضته اللامرئية إلى شؤونه التي لا تهم أحداً غيره، إلى جملة خانته في ” فمي جميل وعيناي خضروان”، إلى الشجرة تهتز للأبد في مهن القسوة، إلى زهرة تعرّق راحة اليد في معجم الأشواق، إلى الجوار المخيف حيث كل شيء جميل وبارد، وحيث يخرج شبح من المرآة ليقف بجانب الرجل الذي لا ينام، الرجل يظنّ أنه الشبح والشبح يظنّ أنه يقيم في سحابة ترسمه ابنته قرب اسمه، حيث “لا السحابة تمطر” وحيث اسمه ” لا يحيل العالم جميلا”، ويظلُّ كلٌّ منهما ينظر في عيني الآخر الواسعتين البيضاوتين  كيلا ننسى  “كيف يبكي رجلٌ كامرأة، كيف تبكي امرأة كامرأة” و”كيف يبكيان لشدة ما يجمع البكاء بينهما”.