«(الوجه الذي لا يغيب) ليس هو وجه جيفارا فقط، بل وجهك ووجهي ووجهنا جميعاً» يكتب ميشيل كيلو عن الكتاب الأول الذي أصدره نزيه أبو عفش في 1968، ويضيف الكاتب في دراسته «إنه وجه الإنسان الذي قطع الحبل الذي يربطه بإحدى ضفتي النهر، ولكنه اكتشف وهو وسط التيار أن الطرف الآخر من الحبل مقطوع أيضاً».
يرى الناقد الذي لم يكن قد بلغ الثلاثين حين نشر دراسته في مجلة المعرفة – عدد مايو 1968 أن الديوان يمنح صبغة تساؤلية لكنه تساؤل من «لا يملك القدرة على الوصول إلى الحل، لأنه يفتش المشكلة حيث لا وجود لها»، ويرى أن موقف الشعراء الشباب ومنهم نزيه الذي كان في أوائل عشرينياته غير ثوري، وخطأً يحسبون أنهم «ممثلون للجيل».
سيمرّ أكثر من أربعين عاماً وثم (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات)* ستتراءى في أحلام القوميين واليسار والإسلاميين، تحلّ الحرب، وفي الحرب بكلمة واحدة، بهزّة رأس، ببوست على الفيسبوك، تقف إلى جانب القتلة، الشاعر المتأرجح بين ماركس ويسوع سيتأرجح مرة أخرى لكن بين «مسامحة القتلة» و « إرسالهم إلى الله»، الناقد المحلل المدافع عن الحريات متحولا،ً سيضيع في ترجمة التكتيك حتى يصعب علينا تذكّرُ – أنه كأي سياسي آخر- كيف كان طفلاً ذات يوم، هما معا،ً بطلان من زماننا، وكثر يشبهوننهم، سيبتكران مشهداً هزلياً يدعو للمرح الأسود، مغفّلين يشدان بينهما حبلاً آخر، حبل الفاشية، على الخطأ سيشحذ كل سكاكينه، وسيكون خلف كل منهم من يربت على كتفه ويصفق مبتهجاً حتى يظن أنه على الصواب، وثم سيأتي الزمن ليفضح المتنبئين وليضيف توابل حارة إلى لعبة المصائر المضحكة في الفنتازيا السورية.
في1961 بدأ عزرا باوند -الذي عمل في إذاعة موسوليني لفترة طويلة متحمساً ل«جمهورية إيطاليا الإشتراكية»- عزلة اختيارية دامت احدى عشر عاماً حتى وفاته، وكان حين يزوره الضيوف يجلس صامتاً بينهم أو يتسلل إلى غرفته في الطابق العلوي،
ذات يوم زاره صحفي وسأله: أين تعيش الآن؟
فقال بعد صمت:
في الجحيم.
نحن لن نصمت ولن نعترف بالخطأ، سنترك الأمر للزمن ليحولنا إلى خليط من مهرجين فاسقين وفلاسفةٍ سَفلة يتناوبون على كسر الملل في مزرعةٍ نائية في رأس أفلاطون، مزرعة كبيرة وقديمة لا تنتج سوى المحاربين ليتقاتلوا إلى الأبد.