زازا

كان نافذ زازا في الثانية والثلاثين من العمر حين انتخب رئيساً لبلدية مادن ومديراً للمشفى الوحيد فيها، ثم انتقل إلى ديار بكر وخشية السجن الذي اختبره قبل ذلك من قبل محاكم كمال أتاتورك غادر في 1930 إلى سوريا ليفتتح عيادة له في شارع الخندق بحلب وثم في ساحة عرنوس بدمشق قبل أن يعين طبيباً شرعياً في بلدة عين ديوار فالقامشلي.
حين وصل حلب كان قد اصطحب معه أخاه الأصغر الذي لم يكن قد تجاوز العاشرة،  كان الأخ قد أُخبر أنهم سيقصدون إستانبول، لذلك شعر أن أمراً غريباً يحدث حين رأى من نافذة القطار الرجال يرتدون الملابس الغريبة، الطرابيش والعقال والكوفية، وطال استغرابه حين رأى القطار يتوقف ليلاً في احدى المحطات ليرافقهم رئيس المحطة الأرمني حتى المقصف، وبينما كان رئيس المحطة الارمني يتبادل الحديث مع الأخ واصدقاءه عن مؤامرة غامضة، سألته زوجة عارف عباس التي لم تكن تشارك في الحديث:
– نور الدين الى اين انت ذاهب؟
– انا؟ انا ذاهب الى استانبول، (أجاب، وهو يتناول شراب الليمون)
– اه، حسناً لقد وصلنا الى استانبول.
قالت ذلك وهي تضحك باضطراب -كما سيتذكر الطفل- ثم انفجرت في البكاء.
حال وصولهم دمشق قصدوا بيت علي آغا زلفو، أحد زعماء الأكراد، الذي كان يقع في الحي الكوردي بعد جسر النحاس، كان الصالون يغص بوجهاء الحي وعدد كبير من المنفيين الكرد، حاجو آغا، أبناء جميل باشا، جلادت بدرخان، وحيث كان الخدم يجهزون الطعام، وكان أحفاد الأمراء والباشوات والبورجوازية العليا والاقطاع جنباً إلى جنب، يحتسون الشاي أو القهوة ويتناولون الملبس و الفواكه ويتجاذبون أطراف الحديث عن علم اللغة والسياسة والفلسفة، خلال تلك الأمسيات الطويلة انتبه نور الدين إلى فكرة القومية الكوردية التي قادته لاحقاً إلى تأسيس أول حزب كوري في سوريا.
بين 1944-1970 ظلّ يتعرض للسجن والملاحقة من قبل الأنظمة المتتالية وأينما حلّ، العراق، سوريا، لبنان، تركيا.
” تنظيم حركة المقاومة الغريزية ” كان يهجس بهذه الجملة في الطريق الى ديار بكر حين لمح  الأكواخ الطينية التي بدون كهرباء ولا هاتف ولا مدارس ولا مشافي، وخفق قلبه لرؤية النساء الكورد في ثياب الأسلاف، الثوب الطويل، الصدرية، الحزام والسروايل الفضفاضة المتعددة الالوان.
في 1982 انهى مذكراته (حياتي الكوردية) في سويسرا التي وصلها لاجئاً بتوصيفه لنفسه بأنه رجلٌ طليقٌ في بلدٍ ديموقراطي لكنه لا يقدر على مشاهدة الكورد المعدمين والمعذبين في الشرق الأوسط، مذكراته التي كان قد بدأها من مملكة السحر حيث النحاس والرصاص والكروم يلّون مياه السواقي بالأخضر والأصفر والفيروزي على سفوح جبل طوروس، وحيث مادن قد كبرت في جوار دجلة بعدما مضت سنوات طويلة على اليوم الذي قام فيه الجد الأكبر- الافندي بجلب 500 عائلة يونانية من ترابزون، جاء بها وأسكنها في منازل من طابقين وثلاثة طوابق ليبني مجده في صناعة النحاس، المجد الذي استحال عدماً بقرار من استانبول، صودرت جميع املاكه  وجاء جيش قوامه 10000 مقاتل مع المدافع كيلا يجد الجدُّ أمامه سوى أن يترك كل شيء وراءه، متنكراً في زي الدراويش غادر الأفندي سراً ليموت في اليمن متخفياً وحيداً.

رُعب

أَفْهَمُ التاجر حين يبازر على الأسلحة والدولار، الحشيش والبنزين، السكر والملح والطحين،
أفهم رجل الدين يصدر الفتاوى باسم الله أو يجلس أمام معبده ويترك للريح تقلبُ صفحات كتابه المقدس،
أفهم السياسي يعقد إجتماعاً يدبر لمجزرة، ثم يلاعب أبناؤه، يتعشى و ينام دون أن ينسى تنظيف أسنانه،
أفهم الجندي يقتل (الجندي أداة للقتل)، يضمد جرحه إذا جرح، يدفن جثة صديقه أو يتركها في العراء، يغتصب إمرأة من الرهائن ثم يقتلها مغتنماً طوقاً من الذهب عن عنقها أو سناً ذهبياً من فمها،
أفهم الصحافي يحذف، يضيف ثم يضيف ويحذف حتى يكتمل المشهد كما يراد (كثيرون منهم حين يتدرجون يعملون في بناء شبكات الكلمات المتقاطعة).

من يرعبني هو الشاعر حين أراه بجانب أحدٍ ما،
الشاعر يرعب حين لا يكون وحيداً.

زيرك

في 1987 غنّت ميادة الحناوي من كلمات عبد الرحمن الأبنودي “ميّل يا قمر” لعمار الشريعي والذي كان تدويراً ذكياً ، مبطئاً ومتّبلاً ل”يللا شوفير” الذي أدّاه إبراهيم تاتليسس قبل ذلك بعامين، وبمفردات تركية، معيداً أغنية قديمة لواحد من أبرز مغنيّ كوردستان إيران، حسن زيرك.
ترك حسن زيرك (1921-1972) وراءه  أكثر من 960 أغنية و62 مقاماً وكان صاحب طريقة في الأغنية الشعبية بل ومن أهم من نقلها من الريف إلى المدينة.
حين وصل إلى بغداد للمرة الأولى في 1953 قادماً من كركوك ليعمل أجيراً في فندق الشمال الكبير وثم في فندق شهرزاد كان إسمه قد ذاع بين بلدات كوردستان إيران وقراها التي ظل يتنقل بينها مغنياً في المضافات والأعراس وكان قد سكن في السليمانية التي أحبها منذ فترة ليست طويلة، سجل أول أغنية له في الإذاعة الكوردية ببغداد وظل يعمل ويغني حتى غادرها في 1959 عائداً إلى إيران ليسجل في إذاعات تبريز وطهران وكرمنشاه وليتزوج من ميديا زندي التي أنجبت له ساكار وآرازو وكانت معلمة وأول مذيعة كوردية تعمل في إذاعة طهران.
وكما بدأ حياته بشكل دراماتيكي، يتيماً، تتزوج أمه من رجل آخر، يعمل منذ الثامنة، يتنقل مساعداً لسائق الباص، عاملاً بين المقاهي والفنادق والمطاعم وبل حتى حامياً لأحد الأغوات، انحدر بشكل دراماتيكي كذلك ففي عام 1967 عاد مرة أخرى إلى السليمانية ومنها إلى بغداد لتسجيل أغانيه الجديدة لكنه اعتقل وسجن ستة أشهر قبل أن يسلم للسلطات الإيرانية، ولينفصل بعدها عن ميديا تاركاً معها الأولاد ليفتح له مقهى في منطقة كاني ملا أحمد على إحدى الطرق المؤدية إلى مدينة بانة سرعان ما أغلقه منتقلاً إلى مهاباد منتهياً في مدينة شنويه ليقضي أيامه الأخيرة مهملاً وحيداً يعاني من السرطان.

!Syrian? Go

10427315_10152237193057168_2749749949306829509_n

جزيرة بلاتي 2014

1
وصلنا بلغراد في الرابعة والنصف فجراً وتوقفت السيارة التي كان يقودها سائق صربي على باب الكامب، أخرجنا السيمات المقدونية من الموبايلات وتوجهنا نحو مكتب التسجيل على بعد أمتار لنتفاجئ برتلٍ طويل من الجاثمين على الأرض ملتفين في بطانيات في انتظار الموظفين الذين فهمنا أنهم لن يأتووا قبل التاسعة، وأنهم لن يسجلّوا سوى عدد محدود لذلك بدأنا على الفور نسأل عن إسمٍ أوصينا به بينما كنا ما نزال في أثينا.
2
الكامبات في صربيا كما في إيطاليا، كبلدي عبور، لا تقدّم سوى سرير ووجبات الطعام لأيام معدودة تلتقي خلالها بالمهربين، بالسماسرة والوشيشة إلى الدرجة التي يشك بها أغلب اللاجئين أنها لم تقم إلا بإتفاق بين الدولة والمافيا لتسهيل العبور، وحينما تصل صربيا، هذا يعني أنك في المنتصف من الطريق، أمامك ما تجهله، خلفك ما رأيت، خلفك الخسارة التي لا تستثني أحداً في الحروب الأهلية، خلفك الإقامة المؤقتة في دهوك لتعمل كبغل حتى توفر أجرة الطريق، خلفك ساحة أكسراي في إستانبول وساحة باسمان في إزمير حيث الفنادق والمقاهي والسماسرة والوعود والآمال بالطائرة واليخوت السياحية، خلفك رحلة الحقيقة في القارب ال4 أمتار الذي كان يقوده حشاش تونسي وتعطل محركه في المياه الإقليمية لليونان قرب جزيرة كالمينوس ليبقى معلقاً في الماء ولتطول المدة من نصف ساعة إلى ست ساعات من الرعب، خلفك شهران في أخرنون وفيكتوريا وأمونيا في تنقل بين اتفاق واتفاق، بين كذبةٍ لا تصدقها وصدق مأمولٍ من كردي أو ابن الضيعة لا تأمن له، بين ماركات ألبسة يقترحها المهرب في تنكر ساذج أو ملابس أوربية تنتقيها أنت من محلات الملابس المستعملة بعد يأسك منهم لتتكرر المحاولة بالطائرة ست مرات كانت تنتهي جميعها في غرفة صغيرة في الطابق السفلي من مطار أثينا  حيث ينظر إليك الضابط وهو يتفحص أوراقك المزورة (الجواز البلغاري أو البولندي أو التشيكي أو البطاقة الشخصية اليونانية والإيطالية أو أوراق الإقامة لشبيه لك مقيمٍ عراقي أو مصري في الدانمارك أو السويد أو هولندا) وليسألك السؤال نفسه باللامبالاة نفسها:
– Syrian?
-yes
– go.
3
حتى تركيا تكون العودة سهلة وتبقى الحيرة لكن ما أن تطأ القارب حتى تبدأ عملية التحول إلى نفر، والنفر أي الفرد من الرجال في المعاجم هو شيء بحد ذاته، كونٌ كامل لكن يمكن إهماله دون شعور بالذنب، لا هو مقيم تحت الحرب، ولا هو لاجئ في دولة من الدول الجوار، ولا هو المقيم في كمب من كمبات أوربا الغربية،
يبدأ سِفرُ تكوينه خلال المغامرة غير المحسوبة من أسئلة الحيرة:
إما أن تموت أو تنضم للقتلة وإما أن تهرب.
وحين يهرب أحدٌ ما، تنغلق الحكاية عليه ولا يعود يُرى، وتنفتح حكاية أخرى، يحاول فيها أن يقول أنه كان شيئاً، ذات يوم، كان الإبن البار الذي يدفع فواتير الكهرباء ويجلب أدوية السكري ويضبط جهاز الضغط، البابا البطل الذي يجعل الوقت يمرُّ سريعاً، أو الأخ صانع المعجزات، وأنه كان يقود سيارته الهونداي البيضاء في ساحات المدينة، وكان له أصدقاء يكذبون عليه في الأول من نيسان، وأنه كان يعمل ويرأف، يحب ويخون، يخطئ ويندم، ويوماً وراء يوم، يفقد شيئاً، ليستيقظ ذات صباح وقد تحول إلى حشرة هائلة، يدعونه النفر، والنفر في لغة التهريب، يُكذب عليه أينما ذهب، يُحتال عليه فيسكت، يُكلبشُ ويسير مكلبشاً أمام مئة شخص، يُجوّع ويحاكم ويسلب منه المال، يُصفع ولا يرد، تُسحبُ عليه المسدسات والسكاكين، ويُنتاكُ على حدود صربيا ومقدونيا، ولا يشتكي، ولا يبقى له سوى أن يلجأ للعادة السرية، وأن يتمرّس في الحكة، وأن يعد السنتات سنتاً سنتاً في عمليات الجرد اللانهائية التي تجريها الگروبات أينما حلوا.
وفي ظهيرة يوم إثنين حين يأتي موظفان يعانيان من إكتئاب عطلة الأحد، يفرحُ النفر لأنه سيستلم أوراقه، ما يدل عليه، فيبتسم بوداعة للمتجهم الذي يصوره بالموبايل، ويسلم يده للموظف الآخر لترتخي بإذعان في يده الخبيرة، و، يبصم.
4
طريق البرّ لم يكن يُنصح به في أثينا إلا لمن أعمارهم بين 20-30 ومع قدوم الخريف، رغم أنه أقلّ كلفة ولا يحتاج سوى شنطة ظهر وخفافة رياضية وأقداماً تتحمل، تبدّلت الأمور لاحقاً، انطلقتُ في رحلة البر الأولى مع گروب من اثني عشر نفراً كما أفهمنا المهرب لنتخبط في جبال مقدونيا (لم تكن مقدونيا فتحت حدودها في أيلول2014)، من نقطة إلى أخرى، في رحلة دامت ثلاثة أيام مشينا خلالها في الليل 28 ساعة  لننتهي بقافلة بلغت ما يقارب 200 نفر وبتسليمنا أنفسنا للبوليس بعد تخلي المهربين أما الرحلة الأخرى فقطعنا خلالها الحدود مشياً (بين6-8 ساعة على كلّ  حدّ ٍ من الحدود، اليونان- مقدونيا، مقدونيا- صربيا، صربيا- هنغاريا) أما داخل البلاد ففي سيارتي تكسي في مقدونيا وصربيا، أما هنغاريا وسلوفينيا ففي سيارة شحن صغيرة تكدس فيها 26 نفراً (كانت أصغر من سيارة الشحن الشهيرة التي اختنق فيها 71 نفر في النمسا منذ أيام) مضت دون أن يوقفها أحد خلال 9 ساعات حتى أنزلتنا في غابة صغيرة على مسافة 2 كم من بلدة تريستا الإيطالية لنتخلص من الملابس ونكتفي بملابس جديدة ونتهندس ونغسل وجوهنا ونسرّح شعرنا حتى لا نلفت انتباه أحد طوال الطريق حتى محطة القطار، وهذا ما حصل، لم نلفت سوى نظر البوليس، تفرقنا في الغابة واجتمعنا بعد ساعتين عند بوليس تريستا ليبقى المحقق الخمسيني شبيه إد هاريس معنا حتى منتصف الليل، وظل يدق قبضة اليد اليمنى في راحة اليد اليسرى ليكتب ضبطاً يليق بأكاذيبنا وتركنا بعده لنكمل الليل نياماً، بعضنا أمام الكنيسة، بعضنا في النفق لنراجع في الغد المحكمة التي زودتنا بأوراق طرد خلال سبعة أيام.
من تسالونيك إلى تريستا دامت 14 يوماً من بينها 6 في نزل على أطراف بلغراد يُمنع عليك مغادرته، 6 أيام في زريبة في لويان المقدونية على حدود صربيا، وقت الانتقال الفعلي يبدو قصيراً لكنه كافٍ لتختبر النظرية النسبية  حيث الفرق بين أن تمضي خمس دقائق وأنت تقبّل امرأة في المصعد وبين أن تمضي خمس دقائق ويدك على المقلاة والمقلاة على النار.
5
كما النفر ليس ملاكاً، يحتال ويزوّر ويكذب ويخبأ ويثرثر ويهرب وينسى، المهرّب كذلك ليس شيطاناً، إنهم ليسوا بالضرورة مشطوبي الوجه بسكين، ذوي ندبات وأوشام غريبة، كما في قصص القراصنة وأفلام الأندرغراوند، وليسوا كلهم بهيئة واحدة أو بوظيفة واحدة، لا مهرب يهبط من السماء، أغلبهم أنفارٌ سابقون، علقوا في الطريق لقلة الحيلة وقلة المال أو أصحاب إقامات أوربية استدركوا بطالتهم وكانوا أنفاراً في زمن ما، منهم السمسار أو الوشيش الذي يجلس في المقاهي ليصطاد الزبائن، منهم الريبر أي دليل الطريق بالكردية، ومنهم الرؤوس الكبيرة التي لا تظهر، ولا شيء ثابت، النفر يصبح سمساراً، السمسار ريبراً، الريبر رأساً كبيرة، الرأس الكبيرة تُقتل، تدوم التحولات لتظل الدائرة-المسخ  ولا تنغلق ما دامت الحروب، ولا بدّ لتُنجز الأمور من إغراء مالكي نُزُلٍ ريفية، أصحاب بيوت  في مركز المدينة أو قرويين خلف منازلهم زرائب على الحدود، لإسكان الأنفار وإطعامهم ريثما ينتقلوا، ولا بد من استئجار محلات لتقوم  كمكاتب لإيداع الأموال، هي في الظاهر محلات ألبسة وأحذية أو ميني ماركات، ولا بد من الإستعانة بمزورين وطابعين وسائقين محليين، أي يونانيين وصربيين ومقدونيين وايطاليين.
المهربون ليسوا واحداً، هم آتوون من بلاد الحروب، الحروب القديمة والحروب التي تحدث الآن، جزائريون وفلسطينيون وعراقيون وأفغان وباكستانيون وسودانيون وأكراد طبعاً وأجرأ الأكراد أكراد الصوران، (ويا للفخر، ويا للدعابة)، من أربيل وإستانبول، إلى أثينا وسكوبي، إلى بلغراد وميلانو، سترى الأكراد وقد أقاموا إمبراطوريتهم في الظلام بعدما زالت عن الوجود دون أثرٍ يدلّ سوى في البيانات والأغاني والمراثي.
6
من ميلان يتوزع اللاجئون، قرب محطة القطار المركزية (السنتشرالة) ينطلقون في الطائرات والقطارات أو التكاسي نحو ألمانيا وهولندا والدانمارك والسويد، ليدخلوا في حكاية أخرى، في ممرات المنفى حيث لا بد أن تقف وتنتظر مثلما أنتظر الآن وأقف على مسرح وهمي يلي درجاً وهمياً بعد سجادة مجدٍ حمراء، أمسّد الذهب اللامع لتمثال الأوسكار، ورقة الإقامة في هولندا، أفكّر بمن في حلب، بمن على الطريق، وبالمتخبطين في ممرات اللاعدالة في قانون دبلن التي تبتلع من رُفِض، ليس لديّ سوى ثناءٍ واحد، بعقلٍ بارد، أوجهه للمهربين، بصوتٍ لا تهدج فيه، دون دمعة تأثر، لأولئك الأشرار الطيبين، ملوك الأرض في الممالك اللامرئية، من يلعنهم البوليس ورجال الدولة والإعلام، يلعنهم رجال الدين وموظفو الإغاثة والمحققون والصحفيون والكتاب ونادي القلم الدولي، يلعنهم أيضاً – في سعي مبتذل نحو  الطهارة – كلّ من نجا وكل من هرب وكل من يغيّر قناة التلفاز كي لا يرى الظلم، الظلم الذي أشدّه لا يُرى ويبدو واضحاً أنه، كما الشر،ّ بدأ من الأزل وسيدوم إلى الأبد.

 

الصورة: القارب وقد وصل جزيرة بلاتي اليونانية