هره

كان نوري ديرسمي قد تجاوز السابعة والأربعين بأشهر حين وصل حلب  ظهيرة السابع والعشرين من أيلول  1940 ليسكن في حي محطة بغداد وليتزوج من فريدة خانم ويبدأ بترتيب حياته الجديدة التي أستغرقت ثلاثة وثلاثين سنة أخرى قضاها بين توثيق ديرسم في تاريخ كردستان والتبشير بالحلم خاتما إياها بتدوين أثار الرغبة على ثلج الوجود، بالوصايا:
أن يمر موكب الجنازة من أمام القنصلية التركية بحلب،
أن يدفن في القبر الذي أعده بنفسه لنفسه ولزوجته داخل الحوش المحيط بمسجد حنان في كفر جنة بجبل الأكراد،
أن يدفن معه كتابه الذي ظل منكبا عليه لسنوات وطبعه في 1952،
أن توضع تحت رأسه كمشة من تراب ديرسم كان قد جلبه معه،
وأن يدون على الشاهدة:
لتتفتح زهرة الربيع
أنا أيضا صرخت على هذا الطريق الصعب.
وحتى ذلك اليوم كان قد تنقل بين آخزونيك وخاربوت وإستانبول وأذربيجان وكيره سون وأنقرة وسيواس ودمشق وعمان، طالبا وطبيبا بيطريا ومنفيا وعسكريا وسياسيا، وحين أصدر الأتراك في 1935 قانون ديرسم لإعادة توطين الأكراد في المنطقة المسماة تونجلي بهدف استئصال الورم الخبيث، ديرسم، المدينة التي تعرضت للحرق ثلاثة عشر مرة،  رفض الأكراد القرار فلجأ الجيش التركي فيما بعد إلى سياسة الأرض المحروقة بالقصف والحرق والقتل والاغتصاب ليقتل بين 40_55ألف من أكراد ديرسم  في ربيع أسود لن تخفف منه المراثي عدا عشرات الالاف الذين ماتوا في المخيمات والسجون، ولم يطمئن الأتراك إلا في 18/11/1937 حين أعدموا سيد رضا قائد الثوار الذي كان قد كان نصح مستشاره نوري أن يخرج إلى الشام ليعقد علاقات في الخارج فلم يتوان عن الخروج سيما بعد أن انتحرت دلال، ابنته الوحيدة التي كانت قد خطفت من قبل الجنود الأتراك فألقت نفسها من فوق الجبل كي تحمي نفسها من الاغتصاب الذي نجت منه لكنها لم تنج من تمثيل الجنود بجسدها.
ولأن الأكراد طيور مبندقة ورثت الرقبة الماوردية لكنار العماء وتتالي الأصفر والأسود في الريش على ظهور حساسين الفقد، ولايسكنون إلا في أغاني ال” بيمال” ، في الأصوات التي ترتجف في مسافة الهواء بين حنجرة المتكلم وأذن من يتقن الإصغاء، فيقال، و” يقال ” حين تقال، تجر وراءها الضباب الذي ترى من خلاله ما تشاء وتصدق أنك رأيته أو تعند أنك لم تر شيئا بتاتا،
يقال، أنه كان في السجن وكان محكوما عليه بالإعدام، وفي الليلة التي يسبق تنفيذ الحكم، فتح الباب بعد منتصف الليل، سحبه أحدهم في الظلام، سحبه من يده، وأسرع الخطا وراءه بحذر، وتبعه بحذر أشد في الممرات المظلمة حتى وصلا إلى الخارج حيث كان هناك حصان، عانقه الملاك الغريب الذي دون أن يضيع لحظة، حط يده اليمنى تحت قدمه ورفعه ليصير بحركة واحدة على السرج،و ثم دون أن يهدر لحظة أخرى، لكز بكفه على مؤخرة الحصان،  وبالكردية صرخ ” اذهب” ببحة خفيفة سرعان ما تبددت خلفه في هواء لحظتها ما إن انطلق الحصان لكنها ظلت تتردد في رأسه طوال عمره وأينما كان.

أضف تعليق